أبحاث علمية تشير لأول مرة عن «تذوق خاص بالدهون»

الرغبة العارمة لدى البعض أو ربما الكثيرين لتناول الدهون وخاصة الشحوم الحيوانية ذات المحتوى العالي من الدهون المشبعة أمر ما يزال يثير النقاش العلمي من جوانب شتى خاصة بعد تحدث بعض الدراسات عام 2005 لأول مرة عن وجود براعم عصبية في سطح اللسان متخصصة في تذوق الدهون دون غيرها.
نشرت مجلة الأبحاث الإكلينيكية في عدد نوفمبر الماضي بحثاً للدكتورة ندى أبو مراد من كلية الطب بجامعة واشنطن في مدينة سانت لويس بالولايات المتحدة تتحدث فيه عن اكتشاف مستقبلات بروتينية للدهون تُستخدم في رصد الخلايا لوجود الدهون وكذلك في استخدامها لها. وبناء على هذا البحث تمكن علماء من مركز ديجون لدراسات التذوق التابع لجامعة بورغون في مدينة ديجون الفرنسية أوائل شهر ديسمبر الماضي من إثبات أن الحيوانات كالفئران وغيرها لديها خلايا عصبية خاصة بتذوق الدهون، وهي ما تجعلها تُفضل تناول الدهون في وجبات طعامها.

الإحساس بطعم الدهون أمر ما يزال حتى اليوم يكتنفه الغموض وتتجاذبه آراء العلماء والباحثين المختلفة، ففي حين أن المؤشرات الحديثة تتحدث عن قدرة مستقلة لدى اللسان للإحساس بتذوق الدهن كمادة مجردة، إلا أن كثيراً من العلماء يرون أن إدراك اللسان لطعم الدهون هو مزيج من احساس للطعم وغيرها من المعلومات العصبية التي تُحس بالمزيج الدهني أكثر من كونه تذوقا مستقلا لمادة الدهن أياً كانت، أي أن هناك مجموعة من الخصائص الفيزيائية التي تميز الدهون عن الماء أو الحليب مثلاً وهي ما تُعطيه الإحساس الخاص بطعمها في فم أحدنا.

الدكتورة أبو مراد قامت بدراسة الآليات الجزيئية لتنظيم استهلاك خلايا الجسم للدهون. واكتشفت لأول مرة وجود بروتين يُدعى «سي دي 36». CD36.

يعمل على تسهيل عملية أخذ الخلايا للأحماض الشحمية fatty acids ، ووجدت أن هذا البروتين منتشر في أسطح خلايا عدة في الجسم كالخلايا الشحمية وخلايا الجهاز الهضمي وأنسجة القلب والعضلات والأهم من هذا كله هو اللسان.

هذا الاكتشاف يربط بشكل قوي بين تعطش استهلاك خلايا الجسم المختلفة للدهون السابحة في الدم وبين تعطش اللسان وتمييزه للدهون في الغذاء. وبعبارة أخرى كأن البحث يقول لنا إن ملاحظة الخلايا الشحمية للدهون في الدم وقابليتها لتسهيل ترسب مزيد من الشحم فيها هو نفسه موجود لدى اللسان عبر قدرة خاصة لديه لملاحظة تذوق الدهن في الطعام وتبليغ هذه المعلومات للدماغ.

الفرنسيون أكملوا البحث وتعمقوا في دراسة الأمر وتحديد أثر وجود هذه البروتينات المُلاحظة للشحم من عدم وجودها لدى حيوانات التجارب في المختبرات، فحينما قدموا لها محلولين كتغذية، أحدهما يحتوي الشحم والآخر يحتوي مادة صمغية خالية من الدهن لكنها تترك في الفم أثراً شبيها به. الذي خلُصت إليه نتائج البحث هو أمران:

الأول: وجد الباحثون أن الحيوانات الطبيعية أي التي يُوجد في جسمها بروتين «سي دي 36» تفضل تناول المحلول الغذائي الدهني، بينما الحيوانات التي تمت إزالة هذه البروتينات من أسطح خلاياها عبر تقنيات الهندسة الوراثية وجدوها لا تُقبل على تناول المحلول الدهني على وجه الخصوص بل أن كلا محلولي التغذية تتساوى الرغبة فيه لديها! الثاني: إن ما يحصل عادة وبشكل طبيعي هو أن الإحساس بوجود الدهون في الطعام ينتقل من اللسان وربما المعدة إلي الدماغ، الذي بدوره يُصدر الأوامر إلى المرارة والأمعاء الدقيقة والبنكرياس لإفراز المواد اللازمة لهضمها وامتصاصها. الشيء الذي وجده الباحثون في المقارنة بين نوعي نفس الحيوانات هو أن الجهاز الهضمي لدى الحيوانات الطبيعية يفرز المواد اللازمة لهضم الدهون وامتصاصها حال تناولها، بخلاف الحيوانات منزوعة بروتين «سي دي 36» فإنها لا تفرزها البتة برغم قدرتها على ذلك وسلامة المرارة والبنكرياس والأمعاء لديها!.

ما الذي يحاول الفرنسيون قوله لنا هو أن النجاح في إزالة هذا البروتين المستقبل لطعم الدهون في اللسان أمر يقلل من رغبتنا في تناولها. لكن المشكلة هي أن هذا البروتين له وظائف حيوية أخرى في الجسم مما يترك التخلص منه أثراً سلبياً على الجسم أقلها الإرهاق السريع الذي يعتري عضلات الجسم عند عدم القدرة على استخدام الدهون في انتاج الطاقة اللازمة لحركتها ونشاطها. ولعل المنطقي أن يتم إيجاد وسائل علاجية تثبط من عمل البروتين هذا في اللسان والمعدة والإبقاء على نشاطه في أماكن أخرى من الجسم كأحد الحلول المطروحة للبحث في وسائل علاج السمنة أو غيرها.